قصص سردية
أحيوا أمرنا
في مساء أحد الايام عاد أبي من السوق وكان بحوزته مجموعة الحاجيات من بينها حقيبة مكتوب عليها ( نحو كربلاء ... لبيك يا حسين) وبلهفة كبيرة حملتها إلى صدري وقلت محدثاً أبي: هل تنوي السير نحو كربلاء لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال أبي: نعم يا بُني غداً أن شاء الله، كنتُ أحلم دوماً أن أُشارك في مسيرة الأربعين وأُجربُ ذلك الشعور الإيماني الصادق وأنا أسير مشياً على الأقدام، دنوت من أبي وقلتُ له بلهجة متوسلة: أرجوك يا أبي أُريد أن أذهب معك، فوضع أبي يده على رأسي وقال: ما زلت صغيراً يا ولدي، هل تستطيع أن تسير هذا الطريق الطويل، قلتُ بنبرة متحمسة: نعم، أستطيع يا أبي، وفعلاً في صباح اليوم التالي انطلقنا أنا وأبي وعدد من أصدقائه نمشي متجهين نحو كربلاء مدينة الأحرار، وكانت على ضفتي طريق تنتشر عدد من المواكب الحسينية تقدم الطعام والشراب وكل ما يحتاجه الزائر، عطاء غريب وعجيب كنت أرى هذه المشاهد عبر شاشة التلفاز لكن اليوم أنا وسط الزائرين، أُشاهد كل خادم كيف يبذل ويجتهد ويتوسل من أجل خدمة زائري الإمام الحسين (عليه السلام)،مشاهد يعجز عن وصفها اللسان، ومن تلك صور الخدمة لفت انتباهي موكباً ثقافياً يقف في مقدمته عدداً من الرجال يحمل كل واحد منهم كتاباً ويقول بصوت عالٍ: أقرأ كتاب لمدّة خمس دقائق واحصل على كتاب مجاناً، وحين اقتربت أكثر شاهدت مجموعة من الأطفال وهي تستمع إلى شيخ كبير وهو يروي لهم واقعة الطف، ومجموعة أخرى تجلس في أحدى زوايا الموكب وهي تطالع الكتب، همستُ لأبي قائلاً: لماذا يُقدم الناس كلَّ هذه الخدمات في هذه الأيام فقط؟ فقال أبي: الخدمة في هذه الأيام لها أجر عظيم وشرف كبير فهي تمثل أحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام)فقد روي عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:سمعت الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول)):أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، قلتُ: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا)) ثم أختار أبي لنا مكاناً في الموكب وجلسنا لنأخذ قسطاً من الراحة لنكملَ فيما بعد طريقنا نحو كربلاء حيث مرقد الإمام الحسين (عليه السلام). قصة: مصطفى عادل الحداد رسوم: زاهد المرشدي
أكثر المواضيع قراءة