قصص سردية

الكلامُ كالدواء

الكلامُ كالدواء

في إحدى القرى البعيدة كان هناك رجلٌ كبيرُ السن، ميسورَ الحالِ يعيشُ في بيتٍ واسعٍ وجميلِ الهيئة، فبمجردِ النظرِ إليه من الخارجِ تعرفُ إنَّهُ بيتٌ على مرتبةٍ عاليةٍ من الجمالِ وإن ساكنه أناسٌ أغنياء، لكن في الواقعِ لا يسكنُ في هذا البيتِ سوى ذلك الرجلُ المُسنُّ وطائرُ الببغاء الذي جاءَ إليه حديثاً ليتبادلَ معه أطرافَ الحديث، وليُؤنسَ وحدته، وليُخففَّ عليه آلام مرضهِ الشديد، وفعلاً كان الببغاء يُشاركُ الرجلُ المُسنُّ في كلِّ شيء، يُناقشه، يُحاورهُ، يسردُ له بعضَ القصص التي كانت تحدثُ معهُ أيامَ عيشه في الغابة، وكان الرجلُ المسنُّ فَرِحاً بوجودهِ كثيراً فيقولُ لهُ دوماً: أنتَ صديقي العزيز، وأنتَ مُؤنسُ وحدتي، لهذا كان لا يبخلُ عليه بشيء من طعامٍ وشرابٍ وكل ما يحتاجُ له، وكان الببغاءُ أيضاً فَرِحاً بذلكَ فهو يعيشُ حياةً لا يوجدُ مثيلها بينَ أقرانهِ من الطيور وطمعاً بهذه الحياةِ الكريمةِ كان الببغاءُ حريصاً جداً على هذه الصداقة، فيذهبُ مع الرجلِ أينما ذهب، ويجلسُ معهُ أينما جلس، ولم تمر لحظةٌ أو دقيقةٌ من غيرِ أن يتحدثَ إليه، لكن حصلَ ما لم يتوقعه الببغاء، فقد بدأَ الرجلُ يشعرُ بالضيقِ من صحبةِ الببغاء، حيثُ قالَ محدثاً نفسه: لابدَّ أن أتخلصَ منهُ فلا أُطيقُ العيشَ مع صوتهِ الذي لا يسكت، ومع حكاياتهِ التي لا تنتهي، ومنذُ تلكَ اللحظةِ قررَّ الرجلُ المسنُّ أن يُعيدَ الببغاءَ إلى بائعِ الطيورِ الذي أشتراهُ منه، وفعلاً في صباحِ أحدِ الأيامِ عادَ الببغاءُ إلى ذلكَ القفص العتيق إلى جانبِ الطيورِ يأكلُ ما تيسر من الطعام، حينَها شعرَ الرجلُ المسنُّ بالارتياحِ الكبيرِ وفَرِحَ كثيراً وراحَ يُرددُ قائلاً: الكلامُ كالدواءِ قليلهُ نافعٌ وكثيرهُ ضار، أما الببغاءُ فقد حَزِنَ ونَدِمَ كثيراً على مبالغتهِ في الكلامِ وثرثرتهِ وأخذَ يتأوهُ قائلاً: بالثرثرةِ ذهبت النعم، يا ليتني كنتُ كثيرَ النفعِ وقليلَ الكلام. قصة: مصطفى عادل الحداد رسوم: زاهد المرشدي

إتصل بنا

موقعنا